دراسة تدعو إلى “جراحة تشريعية” لتبديد “التباس فصول” من الدستور

رغم التطور الذي عرفه دستور 2011 على مستوى التنصيص على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية مقارنة مع الدساتير السابقة، إلا أن الحقوق المنصوص عليها في الوثيقة الدستورية التي تمخضت عن الحَراك الاجتماعي الذي قادته حركة 20 فبراير، جاءت بصيغ “أكثر التباسا وغموضا”، و “بضمانات منقوصة”، بحسب دراسة أنجزها الباحث الدكتور عبد الرحمان علال.
انطلق الباحث في دراسته المنشورة في مجلة المنظمة العربية للقانون الدستوري، والتي سلط فيها الضوء على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في الدساتير المغربية، من الدستور الأول للمملكة عام 1962، الذي خصص محوره الثالث لحقوق المواطنة الاقتصادية والاجتماعية، من خلال دسترة أربعة حقوق، هي الحق في التربية، والحق في الشغل، والحق في الإضراب، ثم الحق في المِلكية.
واعتبر الباحث أن التقسيم الذي أخذ به دستور 1962 “يمكن اعتباره متقدما في تلك الفترة، من خلال تمييزه بين الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وبين الحقوق المدنية والسياسية، على اعتبار أن العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لم يكن موجودا آنذاك”، غير أنه استدرك بأن الدستور المذكور يطرح إشكاليات تتعلق بغموض بعض مقتضياته.
وعرّجت الدراسة على الدساتير المغربية من 1962 إلى غاية المراجعة الشاملة للوثيقة الدستورية عام 2011، ليخلص الباحث الذي أعدها إلى أن الدستور المغربي بقي صامدا أمام التقلبات الدولية والداخلية، حيث لم يحدث أي تغيير في ما يرتبط بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية؛ إذ بقيت ستة فصول لم يتبدل ترتيبها.
ورغم أن دستور 2011 عرف تطورا كميا على مستوى دسترة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية مقارنة مع الدساتير السابقة، إلا أن الوثيقة البحثية تشير إلى أن الحقوق المنصوص عليها جاءت بـ”صيغة ملتبسة”، لا سيما الحقوق الواردة في الفصل 31، معتبرة أن الأخير “يثير ملاحظات عديدة من حيث صياغته، مما انعكس على مضمون الحقوق الواردة في متنه”.
واعتبر عبد الرحمان علال أن استهلال الفصل الدستوري المذكور بعبارة “تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية على تعبئة كل الوسائل المتاحة لتيسير أسباب استفادة المواطنين والمواطنات، على قدم المساواة، من الحق في …”، تثير “كثيرا من الالتباس، بينما كان يتم التنصيص على الحقوق ذات الطبيعة الاجتماعية والاقتصادية في الدساتير السابقة بصيغة أكثر وضوحا”، مستدلا بالفصل 13 من الدساتير المتعاقبة، الذي كان ينص على أن “التربية والشغل حق للمواطنين على السواء”.
ومقارنة مع المقتضى المذكور، أبرز الباحث “أنه مع دستور 2011 انتقلنا من اعتبار الشغل حقا للمواطنين، بما يقتضيه من مسؤولية الدولة في توفيره، وتحسين شروطه، إلى صيغة بديلة تفترض أن واجب الدولة ينتهي عند (العمل على تعبئة كل الوسائل)”، موردا أن طريقة صياغة الفصل 31 من الدستور “خيبت آمال آلاف المحتجين الذين صدحوا خلال دينامية 20 فبراير بشعار: حرية كرامة عدالة اجتماعية”.
وتضمنت الدراسة عددا من التوصيات، في مقدمتها تعديل الفصل 31 من دستور 2011، بداعي أنه “يشكل أكبر عائق أمام تفعيل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية الواردة فيه، لأن أي احتجاج بانتهاك هذا الصنف من الحقوق أو عدم الوفاء بها، سيواجَه بأن ذلك مسؤولية مشتركة بين الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية، وأن الدولة تعمل على تعبئة أقصى الوسائل المتاحة”.